
كنا وكنا وفعلوا ودفعنا ...
القلعة نيوز -
من السهل ان تلوم التاريخ او الواقع او انسان او حكام اليوم، ومن السهل ان تتنصل من المسؤولية، وكأن الظرف الذي وقع عليك، وكل الحدث الحضاري او التاريخي انت لا علاقة لك به، او بمعنى اخر الظلم الذي نعيشه اليوم هو احداث منفصلة عن الزمان والمكان والحضارة.
ولكن الحقيقة ان فعلك له انفعال مستقبلي وسيؤثر على اجيال لاحقة، ان فهمت الدور الحضاري والتاريخي، واستوعبت ما جاءت به السنن الربانية وسعيت لتطبيقها على نفسك ومحيطك، قد يتغير الواقع للأجيال اللاحقة، تماما مثلما انت اليوم يقع عليك الوزر الحضاري الذي قامت به اجيال قبلك، من يأتي اليوم ويقول كنّا وكنّا وكنّا هو محق، فقد كنّا نحكم العالم والدول والممرات المائية والصناعة والمال والجغرافيا والإنسان، ومن يأتي اليوم ويقول نحن ندفع ثمن اخطاء لم نرتكبها ولكن ارتكبها السابقون هو أيضا محق، ولكن كيف؟؟
عندما انخرط في حدث تاريخي معين، في الحقيقة اسعى وراء هدفين، الهدف الأول هو محاولة الوقوف على الحدث من حيث اسبابه ومآلاته، وايضا محاولة فهم الحالة اوالنمطية للخروج بصورة ما لفهم الواقع والأثر والمآلات لما نقوم به اليوم، فالحدث التاريخي متعلق بالماضي من حيث الظروف التي ادت له، والأثر الذي ترتب عليه، هنا الفعل يترتب عليه دورة حضارية ودورة تاريخية ايضا.
نعم تتحكم الظروف والسنن والمجتمعات والإنسان بسرعة الحدث ودورته التاريخية، ولكن لا يغيب الأثر القائم لهذه الحضارات والأمم، فهناك سنن وهنا فعل وهناك انفعال، وكيف ان الأخطاء التي تقوم بها الأمم، تتجمع وتكبر ثم تكبر حتى تكون سببا في زوال هذه الحضارة، وانتقال الدورة الحضارية إلى طرف جديد، في سياق الدورة التاريخية الخاضعة للسنن الربانية والمنفعلة لها وبها.
الحضارات لا تنتقل اجزاء، بل تنتقل كل كامل ووحدة واحدة، نعم عندما تنتقل الحضارة تنتقل بكليتها وجميع متعلقاتها، وتترك خلفها مجتمعا يفتقد كل شيء، من الأخلاق التي تربط المجتمع وتعمل على توحيده، إلى النظام الذي يساهم بتجميع هذه الجهود وتوظيفها معا، إلى الهدف والوحدة والقيادة الواعية والناضجة التي تدرك المآلات والأبعاد، وخذ ما حدث في العراق القديمة ومصر القديمة والأنباط والفرس وروما واليونان، عندها تدرك ...
تدرك ماذا؟ ان الترف والانحلال الاخلاقي، وضعف الانتماء وتراجع الفضيلة، وتغلغل البيروقراطية، والفساد حسب ادوارد جيبون يؤدي إلى السقوط. ام حسب نظرية توينبي التحدي والاستجابة لتحديات جديدة، وعندما تصبح النخب الحاكمة منغلقة ومنفصلة عن الواقع والعامة يحدث السقوط. او حسب ابن خلدون ان الفساد والتفكك الاجتماعي، العوامل التي تضرب الوحدة الاجتماعية( مثل العنصرية، والتعصب الديني وغيره)، والضعف الاقتصادي، ووجود عدو خارجي، والجمود الثقافي، والتدهور البيئي( تحديات البيئة من ماء وطقس وغيره)، والترف كل ذلك يؤدي الى السقوط.
تدرك ان هناك مجتمعات واعية واخرى لا، وكيف يصبح المجتمع مجتمعا واعيا ويدرك الأثر الذي يتسبب به، وكيف ان هذا الأثر سيؤدي إلى زوال امته وحضارته، نعم نصل إلى مرحلة يضعف فيها الإدراك، ويخبو فيها صوت العقل، ويرتفع صوت الشهوات والطمع والرغبة الفردية، او السعي لتحقيق مصلحة جماعة مثل الامويين وغيرهم من المجتمع يؤدي إلى اقتراب النهاية.
تدرك بعدها ان النهاية إقتربت، هل هو توقع ام تنبأ ام هو تحليل مبني على معطيات وعلم، كما فعل ابن خلدون، اذا هو استقراء لنمط تاريخي حدث وسيحدث، ما دامت ظروف الحدث تتكرر.
وهنا تدرك دورك الحضاري والإنساني، وأن أثرك لا يزول ولا يفنى بل يساهم في قيام أمة او أندثارها.
أبراهيم ابو حويله ...